استمرار الأجتهاد بالطاعات بعد رمضان

نستغرب من سلوك بعض المسلمين، ممن يجتهد في العبادة، ويتحمس للطاعات في شهر رمضان، ثم يتكاسل بعد شهر رمضان، وكأن رب رمضان ليس برب شوال، فهل نكون عبيدا لله ولا نكن عبيدا لشهر رمضان؛ لأن العبودية لله تستوجب اتباع الأوامر واجتناب النواهي. واتباع الأوامر لابد فيها من الحرص على الأعمال الصالحة، واستمرار الطاعات والمداومة على أعمال البر، وهل ننفذ وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"متفق عليه وهذا لفظ مسلم. فقد أخذنا الزاد الإيماني الكافي أو الشحنة الإيمانية القوية في رمضان، وتربينا خلال شهر رمضان؛ لنكون مخلصين لله تعالى دائما، فهل نستمر على الإخـــــلاص لله تعالى، ونتوجه إليه وحده بجميع الأعمال الصالحة، وأن نكون ربانيين، لا رمضانيين، بمعنى أننا حاولنا الوصول للتقوى في رمضان، وهي الهدف والثمرة من الصيام، كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة 183
وللوصول لثمرة الصيام التقوى أو تحقيق التقوى التي تتضمن: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل" فلا بد من الاستمرار في عمل الصالحات للوصول للتقوى دائما، مثل: المحافظة على صيام النافلة خصوصا صيام ستة أيام من شهر شوال، كما ورد في الحديث، قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صَامَ رَمضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِستٍّ من شَوَّالٍ فَذَلكَ صِيَامُ الدَّهرِ"رواه مسلم وأصحاب السنن.
والاستمرار في صيام التطوع طوال العام؛ لأنه يصل بالمسلم للتقوى وتقوية الإرادة، مثل المواظبة على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام الأيام البيض، وكثرة السجود لله عز وجل، والصلوات التطوعية مثل السنن الرواتب، وتعلمنا أن نجتهد في رمضان في صلاة قيام الليل، وهي المدرسة التي تربى عليها المسلمون في الفترة المكية، فنجحوا في مجاهدة أنفسهم ونشر دين الله تعالى في العالمين، فكيف لا نستمر على هذه الطاعة بعد رمضان؟ خاصة أن هذه الطاعات تجعلنا نجاهد أنفسنا وننتصر عليها، حتى نستحق أن يتنزل علينا نصر الله تعالى، فهذه الأعمال الصالحة والنجاح في مجاهدة النفس هي من أهم أسباب حصول النصر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"سورة محمد.
وتعلمنا في شهر القرآن، "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" سورة البقرة، الحرص على تلاوة القرآن الكريم بتدبر وتأمل، فهل نستمر في هذا العمل الصالح مع مصاحبة كتاب تفسير للفهم والتدبر، و الابتداء في وضع جدول زمني لحفظ كتاب الله والمداومة على تلاوته، والعمل بأحكامه، والاستشفاء به، حتى لا نكتب ممن هجر القرآن خاصة هذا العام الذي قرأنا فيه القرآن بروح جديدة، ونتعلم أيضا كيف نحيا بالقرآن؟.
ثم تعلمنا في شهر رمضان الاجتهاد في الدعاء، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" سورة البقرة، فنحن بحاجة دائما للوصول للرشاد، ويكون ذلك في الالتجاء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص، بأن يفرج عن المسلمين ما هم فيه من أزمات وابتلاءات، مع الإلحاح في طلب الدعاء من الله عز وجل لذلك، خاصة في جميع أوقات الإجابة.
تعلمنا في شهر الكرم والجود الاجتهاد في الصدقة، ورأينا تأثيرها الطيب في إدخال السعادة على نفوس الآخرين، وبالتالي نسعد نحن لذلك، فكيف لا نستمر بالمداومة على هذا العمل الصالح ولو التصدق بالقليل كما في الحديث"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"متفق عليه.

وتعلمنا في شهر رمضان كيف نبتعد عن الأمور الحلال في نهار رمضان وتقوى إرادتنا بذلك، فهل نتجنب المحرمات ونبتعد عن الذنوب والمعاصي، وإذا ضعفت نفوسنا، أو تغلبت علينا الشياطين وارتكبنا شيئا من المعاصي، فعلينا الندم مرة أخرى بالتوبة العاجلة، ونحاول أن تكون التوبة هذه المرة توبة نصوحا، فإن الله يفرح بعبده إذا تاب، قال تعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" سورة النور31
ثم لنعلم أن العلماء رحمهم الله ذكروا أن: من علامات قبول العمل متابعة الحسنة لما بعدها بالحسنة، فالحسنة تجر أختها، ومن العقل المحافظة على درجة الاستقامة وزيادة الإيمان التي توصلنا إليها في رمضان، ونحاول أن نسير في طريق الطاعة، ونجاهد أنفسنا لتستقيم على طاعة الله عز وجل فإنه تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ {41/30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ" سورة فصلت/30-31 ويقول تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" سورة الأحقاف/13، ففتح باب التوبة، و تكفير السيئات، مستمر من شهر رمضان إلى رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن. إذا اجتنب الكبائر"رواه مسلم.
ثم نحاول أن نطلب العون من الله – عز وجل – أن يوفقنا للاستمرار على طريق الهداية ونسأله الثبات عليه، وقد أثنى الله على دعاء الراسخين في العلم "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"سورة أل عمران. ونحاول أن نسأل عن المعينات التي تثبتنا على هذا الطريق المستقيم، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام وأن يوفقنا للمداومة على استمرار الطاعات بعد رمضان.